الترحال

 


يقول الشنفرى في لاميته المشهورة ( لامية العرب )
أَقِيمُـوا  بَنِـي  أُمِّـي  صُـدُورَ     مَطِيِّـكُمْ              فَإنِّـي  إلى قَـوْمٍ   سِـوَاكُمْ  لَأَمْيَـلُ
فَقَدْ   حُمَّتِ  الحَاجَاتُ   وَاللَّيْـلُ    مُقْمِـرٌ             وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ  مَطَايَـا    وَأرْحُلُ
وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ   عَنِ  الأَذَى             وَفِيهَا  لِمَنْ  خَافَ  القِلَـى  مُتَعَـزَّلُ
لَعَمْـرُكَ مَا في الأَرْضِ ضِيـقٌ على  امْرِىءٍ           سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ

و يتبعه بالقول الطغرائي في لاميته المشهورة أيضًا ( لامية العجم )
ان  العلا  حدثتني  و هي  صادقةٌ         فيما  تُحدثُ  أن  العز  في  النقلِ
لو أن في شرف المأوى بلوغَ منىً         لم تبرح الشمسُ يوماً دارة الحملِ

و يأتي ابن منير الطرابلسي بأبيات رائعة يقول فيها
وإذا الكريمُ رأى الخمولَ  نزيلـهُ         في منزل فالحـزمُ أن يترحـلا
كالبدرَ  لمّا  أن   تضاءل   نوره       طلبِ الكمـال ِ فحـازهُ  متنقـلا
سفهاً لحلمكِ إن رضيتَ بمشربٍ       رنق ٍ ورزق الله قد ملأ المـلا
فارق تـَرُق كالسيفِ سُلّ فبانَ في       متنيهِ ما أخفى القرابُ وأخمـلا

هذه وصايا يعطيها التواتر حق القوة و يدعمها الواقع فمن يرى انه بات في ضيق من عيشة أو خمول فعليه بالرحيل بل ان هناك داعم أكبر يقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) و من السنة حديث من قتل تسع و تسعين نفس حيث أمره العالم بتغيير بلده .و الحقيقة انه لم يعد الارتحال الآن بالسهولة التي كان عليها في السابق حتى و ان تطورت و سائل الترحال عما كانت عليه الا أن القوانين و الأنظمة تطورت أيضًا و أصبحت أكثر صرامة و تعقيد فلم يعد الآن بمقدور من ضاقت عليه دياره أن يهاجر و الحقيقة أنا  لا أقصد ذلك أيضًا .
الترحال لا يقتصر على الديار فالتغيير مرتبط بالبيئة و هذا المصطلح يشمل أكثر من الديار فالأصحاب بيئة ، و العادات بيئة ، و العمل بيئة ، و البيت كذلك كل ما علينا هو معرفة في أي بيئة يكمن الخلل حتى نستطيع المهاجرة و الارتحال .

ويقول الطغرائي في لاميته ايضًا :
حبُّ  السلامةِ  يثني  هم   صاحبهِ         عن  المعالي  ويغري  المرء  بالكسلِ
فإن   جنحتَ   إليه    فاتخذ   نفقاً          في الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودع  غمار العُلا  للمقدمين  على          ركوبها      واقتنعْ     منهن    بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ       والعِزُّ   عند   رسيم  الأينق    الذّلُلِ
فادرأ  بها  في  نحور  البيد   جافِلةً        معارضاتٍ   مثاني   اللُّجم  بالجدلِ
كما يكمل ابن منير في قصيدته :
للقفـر ِ  لا  للفقـر ِ  هبهـا   إنمـا      مغناكَ  ما  أغنـاكَ  أن  تتوسـلا
لا ترضَ من دنياكَ ما يدنيكَ من     دنس ٍ وكن طيفا جلا ثم انجـلا
واصل ِ الهجيرَ بهجر قوم كلمـا     أمطرتهم عسلاً جنو لك حنظـلا
أنا من إذا ما الدهرُ هَمّ لخفضهِ      سامتهُ هِمتهُ السماكَ    الأعزلا

google-playkhamsatmostaqltradent