التغير سمة المجتمعات بل انها سمة الزمان حتى ان العرب تسمي الليل و النهار( الجديدان ) و على الرغم من ذلك فإن المجتمعات دائمًا ما تقاوم التغيير و تحدث صراعات قد تصل الى مرحلة الحرب الأهلية ، حاولت بعض المجتمعات المحافظة على نفسها و مقاومة التغير فانتهى بها الحال ان ظلت بدائية لا تنتمي الى هذا العصر كما نرى في افريقيا و ادغال الأمازون مثلًا ،و على النقيض مجتمعات آمنت بالتغيير و حددت الى اين و كيف سيحدث التغيير و اليابان اكبر مثال على ذلك فبعد خروج الامبراطورية اليابانية منهزمة من الحرب العالمية الثانية بل و مدمرة بقنبلتين نوويتين لم تتلقى اي دولة في التاريخ مثلها ، قرر المجتمع الياباني التخلي عن فلسفة الامبريالية السائدة في تلك الفترة و التفت للداخل ووضع خطط التغيير و نفذ ، حتى عاد اليابان أقوى مما كان على الرغم من انها بلد لا يملك موارد طبيعية ، و هناك مجتمعات بقيت في المنطقة الوسطى تركت الزمن وحده كعامل تغيير، إن التاريخ يخبرنا بكثير من القصص التي يجب أن تأخذ للعبرة فالمجتمعات التي لم تقرر الى اين ستتغير باتت في أحوال لا ترتضيها فعلى سبيل المثال اليمن السعيدة التي كانت في القرن الثامن عشر المُصدّر الوحيد للقهوة في العالم و قد كانت القهوة سلعة رائجة لا تستغني عنها الدول حتى ان الفرنسيين كما يذكر ( جان دي لاروك ) كانت رحلتهم لاستيراد القهوة من اليمن قد تستغرق السنتين ، لم تفهم اليمن وضعها و لم تعلم قيمتها و لم تخطط و تقرر الى اين سيكون التغيير ، حتى استولى الهولنديون على القهوة و زرعوها في مستعمراتهم و انتجوها و صدروها للعالم و تصبح اليمن في بداية القرن التاسع عشر تصدر 5% من احتياج العالم و اليوم تكاد لا تسمع عن قهوة اليمن الا بالخليج على مستوى لا يحسب في عرف التجارة العالمية . ان لم تدرك المرحلة التي تمر بها ستفهم بعد فوات الأوان.
التغيير أمر حتمي و لكن علينا ان نقرر الى اين حتى على المستوى الشخصي لا ينبغي ان نترك الأمور من دون تخطيط ، قد تجلب الصدفة أمر جيد و لكن الصدفة لا تتكرر ، اننا من شدة ما تركنا الأمور تسير كيفما تريد تغيرنا دون ان نشعر حتى اصبح الواحد منا لا يعرف نفسه لدرجة ان يصبح سؤال (ماذا تريد ان تكون ) من اصعب الأسئلة جواب و ايضًا سؤال ( من انت أو عرف نفسك ) في المقابلات الشخصية يكاد يكون من أكثر الأسئلة تكرار الا ان الشخص الجيد منا يبحث في الانترنت عن الإجابة .
ان التغير ليس حصرًا على البشر الأشياء أيضًا تتغير فلنأخذ مثلًا الكتابة العربية حينما كان العرب في جزيرتهم لم تكن الحاجة تدعوا لتغيير شيء الى ان حدث طارئ جديد و دخل الأعاجم في الإسلام و تنتقل عاصمة الخلافة من المدينة المنورة الى الشام و الأمر السيء معدي بكل حالاته حتى على مستوى الكلام لتلحق أبناء العرب في المدن عجمة ايضًا يضع أبو الأسود الدؤلي نقط خاصًا للقرآن لتجنب العجمة في كلام الله ( نقطة فوق الحرف فتحة – نقطة تحت الحرف كسرة – نقطة جانب الحرف ضمة ) و يكون النقط بلون مخالف للكتابة و يسمى هذا النقط نقط الإعراب و تزداد الأمور تعقيد اذ أن الأعاجم لم يفرقوا بين الحروف المتشابهة و يأتي نصر بن عاصم و يحيى بن يعمر و يقومان بنقط الحروف المتشابهة و إعادة ترتيبها على الشكل المعروف اليوم و يسمى هذا النقط نقط الاعجام أي فك العجمة عن الحرف و الملاحظ ان الحجاج هو من أمر بنقط الحروف و استخدم القوة لذلك و الا فالمقاومة كانت كبيرة ثم اتى بعدهم عبقري اللغة الخليل بن أحمد ليغير شكل النقط الذي وضعه أبو الأسود و يبتكر الهمزة ( وضعها مشابهة لرأس العين- ع – لقرب مخرجها منه ) . هذا تغيير تدخل فيه الانسان بقصد و رتب له فأبدع انتاجه .
ان لم يحدث لك تغيير في حياتك فأعلم انك على الطريق الخاطئ وإنك في الحقيقة لا تعمل شيء، إن ما يصنع المنعطفات و التقاطعات في طريقنا هي أفعالنا بكل حالاتها إيجابية او سلبية ، لا تعتقد ان الطريق الصحيح مستقيم و سهل كما قال الشابي
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
و كما قال الأول
دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا