من أدب الرحلات

 




كُتب الرحالة في جزيرة العرب ثرية بالكثير من الأمور و كل باحث أي كان مجاله سيجد الكثير و الكثير الا ان التحري و التدقيق في  معلوماتهم لابد منه فهم لم يأتوا لغرض واحد أو في حقبة واحده  .
ريتشارد بيرتون ( RICHARD  F.BURTON ) ايرلندي ولد عام 1821 م نشر 43 مجلد عن رحلاته وترجم الى الانجليزية من العربية و الفارسية  30 كتاب بما فيها النص الأصلي لكتاب ألف ليلة و ليلة ، اتقن 25 لغة و لهجات كثيرة التحق بجامعة اكسفورد و تركها عام 1842ليعمل ضابطًا في الجيش البريطاني في الهند ، قام بالعديد من الرحلات في آسيا و افريقيا و أمريكا
كانت  زيارته لمصر و الحجاز عام 1853 و سنأخذ مصباح الأدب لنسبر أغوار رحلته
يقول بيرتون في رحلته متأملًا
 صباحًا : الهواء معتدل و منعش كهواء إيطاليا و الضباب الكثيف ينتشر في الوديان على طول الساحل و السديم يتوج الألسنة الممتدة في البحر كأنه عرق لؤلؤ ، اما الصخور المتباعدة فتبدوا كأسوار هائلة و بروج محصنة ذوات شموخ كما تبدو الخنادق حول هذه الأسوار ملأى بالظلال العميقة . و يجري بحر أرجواني عند سفوح هذه الأسوار و تلك الصخور ، و عندما تستقبل الأرض أول خيوط الضوء فإن قممها غالبًا ما تكون واضحة ممتزجة بقبة السماء ، لا شيء ممكن ان يكون أجمل من هذه الساعة و لا أبهى لكن هذا الصباح رائع الجمال سرعان ما ولى ، فالشمس ذلك العدو القاسي تبزغ مطلة من ناحية البر و سرعان ما ستجبر كلًا منا على الانحناء أمام قسوتها ، لقد صبغ هذا العدو السماء باللون البرتقالي ، اما البحر فقد اصبح سطحه الهائج مشربًا بأشعة هذا العدو الذي بدد عنه بقسوة الضباب و السديم و كتل السحاب التي اعتراها على نحو ما لون العقيق و التي كانت تسبح في قبة السماء الزرقاء .
ظهرًا : الريح و قد عكستها التلال الملتهبة تغدو كالهبات الحارة المنبعثة من أفران من الجير و تتلاشى كالألوان و تختلط ، فالسماء ذات لون فاقد للحياة و البحر كسطح المرآة يعكس لون السماء الباهت فلا تكاد تتبين خط الأفق ، و بعد الظهر تنام الرياح على الساحل الذي أصابه بخر الماء بالوخم ، فتحس بخمول عميق ، والصوت الوحيد الذي تسمعه خفقات الشراع الكئيبة
وقت الغروب : يغوص العدو خلف البحر اللازوردي العميق تحت ظلة من قوس قزح هائل يغطي نصف وجه السماء و ثمة قوس برتقالي تعتريه صفرة مسمرة أقرب ما يكون الى الأفق يكمن فوقه قوس آخر ذهبي باهت و فوقها نصف دائرة مزرقة واهنه تعتريها خضرة ، امتزجت بما لا حصر له من ألوان على نحو متدرج كل ذلك في سماء زرقاء لازوردية مستها خضرة رقيقة ، و السماء من جهة الشرق قد اعترتها حمرة أرجوانية متورده تحاكي اشكال الصحارى الغامضة و التلال واضحة المعالم .ان اللغة تبدو بليدة باردة وعاجزة فهي لا تسعف في التعبير عن هذه السيمفونية و تلك العظمة التي تتجلى في هذه الساعة سريعة الزوال مع ان فرط الشوق لها و التدله فيها يجعل المرء يتمنى بقاؤها دومًا
الليل : الأفق مظلم تمامًا ، و يعكس البحر محيا القمر كما لو كان مرآه من الصلب المصقول ، و نرى في الجو أعمدة عملاقة من أنوار شاحبة تتخذ من الأمواج قاعدة لها ، بينما تضيع تيجانها في الفضاء اللانهائي ، و تتلألأ النجوم متألقة تألق لا يحده حد ، بينما تطل عليك النجوم بوجوه أصدقاء باسمة ، فتشعر بالتأثير الجميل لبنات أطلس السبع اللائي حولن الى نجوم فتجد نفسك مشدود لرباط الجوزاء ، و الزهرة تصغي الى الجوزاء بأناة و تبثها آلاف الأشياء ، و بتأمل الجوزاء و الزهرة تمضي ساعاتك سريعة هينة حتى يأتي الندى الكثيف محذرًا اياك لتغطي وجهك و تستغرق في النوم .

( الرسم بالكلمات أصعب ) لقد صور بيرتون المنظر بكلماته و ابدع في وصفة . لم يعد الكاتب اليوم بحاجة الى هذا الكم من الكلمات فصورة واحدة تكفي ،فهل يا ترى ستساهم ( الكمرة ) في فقرنا اللغوي ، اليوم لم نعد بحاجة لوصف منظر نستطيع ان نعرضه لمن نشاء و وقت ما نشاء فالصور ماهي الا تخليد اللحظة ، بل ان استخدامات الصور تجاوزت حد الوصف لتدخل في الكذب فتستطيع ان تكذب بصورة تختار زاوية ضيقة لمنظر يبدو للناس جميل و تترك الحقيقة القبيحة خارج الإطار ، و تعلم يقينًا ان اطارك الضيق الذي حددت فيه جمال صورتك لن يجعل الناس له حدود فخيالهم أوسع من اطارك و ستعمم الصورة على باقي حياتك ، اللحظة قد تجعل الصور لها عمر أطول . اليوم يحق القول ( لا أكذب من صورة ) .

google-playkhamsatmostaqltradent