قبل ان تفتح كتاب في التاريخ يجب ان تسأل نفسك ( لماذا أقرأ ؟) فبعد لماذا تكمن الحقيقة التي ستراها هل تريد معرفة ما حدث و الاعتبار ام انك تقرأ للتسلية ، السبب الحقيقي الذي يدفعك للقراءة مهم جدًا على الرغم من انه قد يتبدل اثناء القراءة .
حينما أستمع لأحاديث من يقرأ التاريخ أو يسمعه الاحظ ان الأغلب يقرأ التاريخ للمفاخرة و هذا أمر شائع و لعلي الفت انتباهك الى اي الفترات الزمنية اشتهارًا عندنا راجع نفسك و انظر نحن نكاد لا نعرف شيء عن تاريخنا الحديث على الرغم من أنه الأقرب لنا و الأكثر تأثيرًا علينا في حين اننا نعرف ايام العرب في الجاهلية و فتوحات بني أميه و نعرف هارون أمير المؤمنين و نقفور كلب الروم و نعلم ان أغلب الاكتشافات الفلكية للعرب و أيضا هناك اسهامات عربية في الطب ولا تنس علم الاجتماع فابن خلدون هو أول من تحدث عنه و نعلم أيضا ان أول من حاول الطيران عباس بن فرناس و غيرها من الأوليّات العربية ، نحن نكاد لا نعرف شيء عن تاريخنا الحديث لأنه و للأسف لا يوجد به ما يدعو للتفاخر ، حينما تفككت الأمة و لم تعد تنافس الأمم الأخرى انخفض مستوى التنافس عندنا مع بقاء فكرة التفاخر كما هي فأصبحنا نبحث عن فعل دولة تجاه جارتها الشقيقة و أصبح الترتيب الأول عربيًا بل و ضيقنا النطاق بحث عن مفاخرات اكثر ماذا فعلت قبيلتي و ابنها و أصبح الترتيب الأول محليًا.
توقف معي و لنطرح سؤال (كيف ؟) كيف اكتشف العلماء العرب ؟ كيف فكر ابن خلدون؟ كيف تفككت الأمة؟ كيف حدثت الأمور ؟ اشك ان الاجوبة تُعلم لأن الأسئلة لا تعتبر مهمة فالبحث عن الإجابات مضيعة وقت ، من السهل ان نفقد الأشياء التي لا نركز عليها ، التركيز على المفاخرة يجعلنا نفقد الحقيقة ، خذ مثلا كتاب ( المائة الخالدون ) و ان كان خطأ المترجم يبدو لك من عنوان الكتاب الا ان المترجم اعماه التفاخر عن رؤية الحقيقة ليصنع طابور جديد يصطف خلفة أجيال وأمم من بينهم خطباء المساجد ( و شهد شاهدٌ من اهلها ) ، فمؤلف الكتاب الحقيقي رغم اعتذاره و تبريره لوضع الرسول صلى الله عليه و سلم في المرتبة الأولى الا انه كان يرى التأثير سلبيًا للرسول صلى الله عليه و سلم ، و عصابة التفاخر اعمت العيون عن رؤية الحقيقة الواضحة فأصبحنا نتفاخر لأننا في المركز الأول و لو كان سياق الحديث سيء فهذا لا يهم لأننا في الصف الأول .
- قبل ان تقرأ كتاب في التاريخ اسأل نفسك ( لماذا كُتب ؟) فبعض الكتب لم تكتب لتخبر بالحقيقة بل لتسلط الضوء على الجزء الذي تريد منها. اسأل نفسك ( من الذي كتب ؟) انا لا أقول ان هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم و لكن يظل معرفة كاتب التاريخ جزء من الحقيقة . دعني أسألك عن رأيك في طارق بن زياد ؟ هل هو فاتح عظيم ، فلنفرض انك تعتقد ذلك ، طارق هو نفسه في كتاب اللفه مؤرخ اسباني يعتبره محتل و مجرم غاشم هل ترى الفرق ، هنا فالفرق واضح و لكن عليك ان تعلم ان هذا الأمر يحدث في كتب التاريخ الإسلامي و لكن على نطاق اضيق الا انه و للأسف في التاريخ حرف واحد قد يغير الحقيقة .
- قال تعالى ( ويل للمصلين ) تغير المعنى حين فُقد باقي الآية ، المعلومة الكاملة هي من يبين الحقيقة ، الكذب لا يعني تأليف جديد أو تغيير واقع بل قد يكون الإخبار بنصف الحقيقة ، المستشرق لم يأتي بكذب حين نقل عنا و لكنه سلط الضوء على ما يريد بنار الحقد حتى أصبحت الحقائق كأنها فراشات تتجه الى ناره ، تضخيم الأمور كذب بحد ذاته .
- نافع بن الأزرق يقول لابن عباس يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم أن قومًا يخرجون من النار و قد قال الله تعالى ( و ما هم بخارجين منها ) فقال له ابن عباس ويحك أقرأ ما فوقها هذه للكفار ، و يقصد ابن عباس الآية ( ان الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعًأ ..) الآية .السياق مهم في الفهم . و الحدث التاريخي ما هو الا سياق ففهمه يتطلب معرفة بالأحداث السابقة و اللاحقة له و ايضًا معرفة العوامل الخارجية المؤثرة في الحدث مثل حال المتكلم و المخاطب و لا يمكن عزل الحدث التاريخي عن زمانه و مكانه . القارئ للحدث التاريخي عليه ان يركز على السياق فهو مفتاح مهم لمعرفة الحقيقة .
ما سبق مجرد أحاديث و أسئلة حول قراءة التاريخ اردت بها تحريك المياه فنحن بحاجة ماسة لإعادة قراءة التاريخ لننتقل الى المرحلة الأصعب و هي كتابة التاريخ .